style="margin: 0px; font-family: Tahoma; text-align: center;">
عقد التأمين في الفقه الإسلامي والقانون المقارن
36- عقد التأمين عقد معلق دائما:
الواقع من الأمر أن عقد التأمين من العقود المعلقة على شرط دائما والشرط أمر احتمالي بطبيعته وهو هنا حصول الخطر المؤمن عنه. ولقد سبق ورأينا أن التكييف الصحيح لعقد التأمين التجاري أنه عقد بيع مال بمال[1] فهو إذن عقد بيع معلق على شرط.
37- رأي الفقه الإسلامي في تعليق عقود التمليكات:
يرى جميع الفقهاء[2] - ماعدا ابن تيمية وابن القيم فقط - أن عقود التمليك لا تقبل التعليق على الإطلاق، وهذه العقود هي البيع والهبة والإجارة ويلحقون بعقود التمليك في هذا الحكم عقود الإسقاطات التي فيها معنى التبرع كالوقف[3] ويلحقون بها أيضا عقود التقييدات كعزل الوكيل (من الوكالة) وناظر الوقف والوصي والحجر على الصبي المميز المأذون له بالتجارة[4] وعلل الفقهاء عدم جواز تعليق هذه العقود بأن الأصل في هذه العقود أن يترتب أثرها عليها في الحال والتعليق يمنعه[5].
ويضيف هؤلاء أن التعليق فيه معنى المقامرة والغرر لأن العقد مع التعليق يحتمل الوجود والعدم وعلى افتراض وجوده عند تحقق الشرط قد تكون رغبته في العقد قد زالت فيتزعزع الرضى أو يزول عن نفسه وأساس العقود هو الرضى فالأصل إذن هو النهي عن تعليقها[6].
38- رأي ابن القيم في تعليق العقود بصفة عامة:
يقول ابن القيم: (تعليق العقود والفسوخ والتبرعات والالتزامات بالشروط أمر قد تدعو إليه الضرورة أو المصلحة فلا يستغنى عنه)[7].
والواقع أنه لا وجه لما ذهب إليه الفقهاء من منع تعليق عقود التمليكات وما في حكمها لأن التعليق لا يؤدي إلى النزاع فالعقد قد يتم وقد لا يتم هذا هو كل ما في الأمر أي أن العقد يكون غير تام حتى يحدث الأمر المحتمل المعلق عليه العقد. ولقد قرر الفقهاء أن عقد البيع الذي يقع على مكيل أو موزون أو مبيع بالصفة أو برؤية متقدمة لا ينقل للمشتري حق التصرف في المبيع حتى يقبضه وإذا تلف المبيع قبل القبض فضمانه على البائع فهنا نجد أن العقد وإن كان لازما قبل القبض إلا أنه لم يتم في الحقيقة لأنه لم ينقل الملكية كاملة للمشتري ولم يقل أحد أن هذا فيه غرر على أساس أن القبض قد يتم وقد لا يتم.
ومن جهة أخرى فقد علق النبي صلى الله عليه وسلم هبته لأم سلمة على موت النجاشي ورد هديته للنجاشي إليه ليهبها من جديد لأم سلمة[8] والهبة من عقود التمليك كما هو واضح.
ولهذا فإن الرأي الصحيح - والله تعالى أعلم بالصواب - هو ما ذهب إليه ابن تيمية وابن القيم من صحة تعليق العقود بكافة أنواعها ولا يستثنى من هذا إلا عقد الزواج لخطورته فهو لا يجوز معلقا ولا مؤجلا ولا مؤقتا. وعلى هذا فإن التعليق يبطل عقد التأمين التجاري طبقا لرأي جميع الفقهاء ما عدا ابن تيمية وابن القيم ورأيهما هو الصحيح في نظري وعلى هذا فإن التعليق – في رأيي – لا يؤثر على عقود التأمين التجاري باعتبارها من عقود التمليكات.